الآية العاشرة:{وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (32)}.{وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ}: الأيّم: التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، والجمع أيامى.والأيّم: بتشديد الياء، ويشمل الرجل والمرأة.قال أبو عبيد: يقال رجل أيّم وامرأة أيّم، وأكثر ما يكون في النساء، وهو كالمستعار في الرجال، والخطاب في الآية للأولياء.وقيل: للأزواج. والأول أرجح.وفيه دليل على أن المرأة لا تنكح نفسها، وقد خالف في ذلك أبو حنيفة.واختلف أهل العلم في النكاح: هل هو مباح؟ أو مستحب؟ أو واجب؟ فذهب إلى الأول الشافعي وغيره.وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة.وإلى الثالث بعض أهل العلم- على تفصيل لهم في ذلك. فقالوا: إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا. والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية.وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح: «ومن رغب عن سنتي فليس مني»، ولكن مع القدرة عليه وعلى مؤنه.والمراد بالأيامى هنا: الأحرار والحرائر، وأما المماليك فقد بين ذلك بقوله: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ}: والصلاح: هو الإيمان. وذكر سبحانه الصلاح في المماليك دون الأحرار لأن الغالب في الأحرار الصلاح بخلاف المماليك.وفيه دليل على أن المملوك لا يزوج نفسه، وإنما يزوجه مالكه.وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح.وقال مالك: لا يجوز. ثم رجع سبحانه إلى الكلام في الأحرار فقال: {إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}: أي لا يمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل أو المرأة أو أحدهما فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه سبحانه ويتفضل عليهم بذلك.قال الزجاج: حث اللّه على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ولا يلزم أن هذا يكون حاصلا لكل فقير إذا تزوج، فإن ذلك مقيد بالمشيئة. وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا.وقيل: المعنى أنه يغنيه بغنى النفس.وقيل: المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم اللّه من فضله بالحلال ليتعففوا عن الزنا. والوجه الأول أولى.ويدل عليه قوله سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ} [التوبة: 28]، فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك.وجملة: {وَاللَّهُ واسِعٌ}: مؤكدة لما قبلها مقررة لها، والمراد أنه سبحانه ذو سعة لا ينقص من سعة ملكه من يغنيه من عباده.{عَلِيمٌ (32)} بمصالح خلقه، يغني من يشاء ويفقر من يشاء.